يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط خاصة به منها: العلم الذي أهمله كثير من الناس فتخبطوا، فأمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وكما قال عمر بن عبد العزيز [[من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح]].
ولهذا جعل الله تعالى العلم حجة على العباد، أعني علم القرآن والسنة، واستشهد على أعظم قضية -وهي وحدانيته عز وجل- بعد نفسه الكريمة والملائكة بأولي العلم الذين لا يفعلون ولا يقولون ولا يأمرون ولا ينهون إلا بدليل.
يقول: "وكما في حديث معاذ [[العلم إمام العمل والعمل تابعه]]، وهذا ظاهر" يعني: هذه قضية واضحة "فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام" لأن كلمة الجاهلية تطلق على الذين لا يعلمون، وهذا معنى كونهم في جاهلية، والمقصود بالعلم العلم النافع، وهو النور الذي أنزله الله في هذا الكتاب وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم، "فهذا الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي" فالعلم علمان: علم بأن هذا معروف وأن ذاك منكر، والعلم الثاني: العلم بحال المأمور وحال المنهي.
يقول: "ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي" لابد أن تكون على علم بذلك، ومن علمك بذلك تستطيع أن تضع الدواء في موضعه؛ لأنك قد تنكر على إنسان وهو لم يأت بمنكر أو قد يكون معذوراً، وقد لا تأمر إنساناً لجهلك بحاله، ولو علمت حاله لوجدت أنه من الضروري أن تأمره.
فلا بد من معرفة الواقع، والمشكلة أن بعض الدعاة أو العلماء أو من كان من أهل الخير والتقوى والصلاح لديهم العلم بالمعروف والمنكر، ولكن ليس لديهم العلم بحال المنهي وحال المأمور؛ فكان في ذلك ضرر كبير على الأمة، وهم في ذلك مخطئون، لكنهم قد يكونون غير آثمين؛ لأنهم اجتهدوا، وهذا غاية علمهم، لكن وقع التلبيس على الناس.
مثلاً: بعض الناس يظن أنه ذو علم أو فضل، وأنه متلبس بصغيرة أو كبيرة معينة، والحقيقة أنك لو عرفت حاله لوجدته متلبساً بالكفر والشرك أو بالبدع، فلهذا تقول: أنكرت عليه كذا.. وأمرته بكذا.. وما عرفت أن حاله أعظم من ذلك.
وبالعكس: قد يقال: إن فلاناً فعل كذا، فيحكم عليه كما لو كان فاجراً من الفجار، بينما يكون من فعل ذلك الآمر الذي ينهى عنه أو يؤمر به: من أهل الخير والصلاح والفضل؛ فعل ما فعل متأولاً أو لعذرهما يعذر به أمثاله؛ بحيث أنه لا ينكر عليه بمثل ما ينكر به على غيره، وهناك فرق بين المتأول وبين الجاحد والمعاند، فهناك من يتأول وله دليله واجتهاده واستنباطه، فربما ارتكب المحرمات العظائم التي تصل إلى حد إراقة الدماء، وربما يكون ظاهره يدل على أنه مستحيل لبعض المحرمات، لكنه على تأول، فهذا غير الجاحد أو المعاند، وقد وقع التأول في عهد الصحابة، فقد تأول قدامة بن مظعون وجماعة معه قوله تعالى: ((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))[المائدة:93] وقالوا: لا مانع من شرب الخمر؛ لأن عندنا التقوى والإيمان، فلا جناح علينا فيما طعمنا، تأولوا هذه الآية، وتأولهم خطأ ولا شك، لكن هؤلاء لا يعتبرون مثل الذي يشربها ويستحل ما حرم الله من الخمر وكذلك مثل من يقع في الأعراض متأولاً، كما قال أسيد لـسعد بن عبادة: (إنك منافق تجادل عن المنافقين)؛ فلا يعاقب لأنه اتهمه بالنفاق بأن يبوء هو بالنفاق؛ لأن هذا متأول له اجتهاده.
المقصود أن معرفة حال المأمور والمنهي ضروري في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا وقع الإنسان في خطأ عظيم يؤدي إلى فوضى وإلى تخليط في الأمر والنهي، وإلى تلبيس على العامة، وإلى مفاسد أخرى كثيرة.